المعتقــــــــل!
أنا زوجة جامعية في بداية الثلاثينيات, متزوجة منذ سبع سنوات.. بدأت حياتي بين أبوين محدودي الحال دائمي الشجار والسباب والتشابك بالأيدي والاهانة لأي سبب..
وكم صحوت مفزوعة علي فضائحهما. وعلمت أنهما سبق وأن طلقا مرتين, وأسمع أبي دوما يهدد بالثالثة, لولا حفاظه علي عدم خراب البيت.. ولم يختلف طبعهما عن ذلك في تربيتنا.. فالقسوة الشديدة والاهانة لأي سبب هي الطريقة الوحيدة للتربية.. فالجلد بالخرطوم والشبشب وحتي الخرزانة مع سبل السباب هي وسيلة التقويم الوحيدة لأي خطأ فطري صغير قد يقوم به أي طفل منا..
وكم نمت باكية بعد الضرب متألمة وأستيقظ ناسية.. فأبي رجل حاد المزاج عصبي عنيف وسليط اللسان, وأمي مستفزة قاسية غير رحيمة لم أر منها يوما ضمة حنان أو كلمة طيبة تشعرني بالحب والآمان.. لم تصده يوما عن عقابنا بل كانت تؤيده صامتة.. كان توقيت وصول أبي من عمله الحكومي هو لحظة رعب فطرية لي.. ولكل هذا كنت أظن أن هذا حال كل البيوت والوالدين مع أبنائهما.. وكنت أستغرب بشدة تعلق أصحابي بآبائهم وحبهم لعائلاتهم وبيوتهم.. فأهلي هم مصدر رعب وعدم أمان لي..
تزوجت أختاي اللتان تكبرانني بكثير هربا من بطش أبي, وقسوة أمي وبقيت أنا وأخي الذي يصغرني نعاني.. وعندما بدأت مراهقتي وبدأت أري الناس تعاملني كفتاة جميلة جدا وحساسة ومتفوقة وعاقلة كما كانوا يقولون بدأت داخلي أعترض علي كل تلك الإهانات والعنف لأي سبب مهما كان, وبدأ داخلي تمرد شديد علي تلك المعاملة الظالمة وقوبل هذا بمزيد من العنف الشديد جدا كمحاولة لكسري لعلي أخاف وأنطوي فلا أعترض.. ويحمل جسدي ذكريات كثيرة للحم تمزق وسالت دماؤه وعظام أصيبت وتغير شكلها من عنف الضرب وقسوته.. ويحمل عقلي ذكري طردي أنا وأخي من منزلنا في نهار رمضان, وأنا عمري15 عاما لأننا خرجنا من غرفتنا مذعورين علي عراكهما فتدخلنا بشدة ونهرناه عن ضرب أمي فطردنا.. ولن أصف لك الرعب الذي كنت فيه وأنا أسير لا أدري أين أذهب لولا ستر الله...!!!
وأصبح حلم حياتي الوحيد منذ مراهقتي هو إنسان نبيل يأتي لحياتي ليحييها ويكون لي الأب والأم والحبيب والصديق والابن والروح التي تسكن جسدي.. وصارت تلك دعوتي الوحيدة لربي..
وكم كنت فتاة ملتزمة لا أصادق الشباب ولا أهتم اهتمامات المراهقات.. فقد عرفت مبتغاي الوحيد في هذه الحياة والقادر علي جعلها محتملة.. وطوال دراستي الجامعية وبعدها تقدم لي الكثيرون لما يرونه من جمال وأخلاق دون أن يعرف أحد ما بداخلي من عذاب واحتياج قاتل يأكلني.. وكنت دائمة الاعتماد علي نفسي خاصة ماديا ونفسيا..
وهداني الله أنا وأخي وسافرنا عمرة لم يكن لي فيها دعاء وأنا ممسكة بجدار الكعبة باكية سوي أن يعوضني الله بالانسان الذي تمنيته طوال عمري فور رجوعي, وأن يرحمني من العذاب والنار التي تأكلني كل يوم وليلة طوال حياتي وبلا نهاية...
وبعد عودتي بشهر قابلت الانسان الذي تزوجته في خلال شهور, وكم كان أبي بخيلا معي وفضحني في متطلبات الزواج ولكني اهتممت أكثر بخطيبي وتوسمت فيه تعويض ربي لي علي كل ما كان.. وكنت أقول له بعد زواجنا أنت هدية ربي التي طلبتها منه في بيته.. توسمت فيه الأخلاق والكرم والهدوء والانجذاب الجسدي الشديد تجاهي.. وكم بكيت وأنا بين ذراعيه معللة ذلك بسعادتي به دون أن يدري أنني أبكي غير مصدقة أن حياتي السابقة قد انتهت...
وبعد فترة بدأت ألمس فيه بسرعة زعله وقمصه وخصامه من أي شيء قد لا يقبله من وجهة نظره.. ويعاقبني بسهولة علي أي غلط غير مقصود بجفاء مرهق ومعذب لا أحتمله.. فقد شبعت خصاما مع الحياة طوال حياتي.. ونتصالح ثم يأتي خلاف جديد بسبب اختلاف طباعنا وعدم معرفتنا ببعض فترة كافية قبل الزواج, خاصة وأنا أعلم أن هذا عادة حال السنة الأولي بعد الزواج.. ولكنه لم يكن يحتمل أي شيء.. فتقديره لنفسه مبالغ فيه ويري دائما أن المرأة يجب أن تحتمل وتساير وتريح الرجل حتي تستحق وده وحبه.. وكان قد خطب وفسخ الخطبة مرات عديدة من قبل لأسباب مختلفة...
وحملت وبكيت من الفرحة يوم عرفت أني سأخرج للحياة روحا جديدة تمنيت أن تكون فتاة لأحبها وأحتويها وأحميها وأعطيها من الحب والحنان والأمان والقوة ما لم أجده.. وحزنت بشدة وبكيت حين علمت أنه ولد.. ولكن ذلك لم يمنع فرحتي به بعد ذلك..
ولكني فوجئت بعد زواجي بشهور وبداية حملي بزوجي في خلاف عادي بيننا ينفعل ويقول أنه لن يحتمل الخلافات وأن انفصالنا أفضل..!!! مادت بي الأرض ولم أدر ماذا أقول... وبعد أيام صالحني وحدثته أنه يجب أن يكون مسئولا أكثر لأنه الرجل وسيكون بيننا طفل و....و.....و....
وقررت أن أحبه من كل قلبي وأريحه وأحتويه وجعلته بين ذراعي كالطفل الصغير.. لكن ما إن كان يحدث خلاف حتي يصبح حادا جدا ويرميني بطول ذراعه وكأني لا أعني له شيئا.. وأدركت مع الوقت أن أكثر ما يجذبه لي هو رغبته في وليس حبا حقيقيا فتمنيت امتلاك قلبه مع الوقت.. ولكنه مع ذلك في لحظات صفائنا يكون حنونا متعاونا وكريما ولكنه مدلل كثيرا..
وبعد كل خلاف بيننا أفكر بأننا سنتعرف ببعض أكثر وأنه سيأتي وقت ننسجم فيه ولن يكون بيننا سوي الحب وأعتبرها بداية جديدة..
حتي جاء خلاف عابر بعد عام ونصف العام تكلمنا فيه بحدة لأجده يطردني بابني ليلا من بيتي.. أصابني رعب شديد وتخيلت أبوي والماضي وأدعيت القوة أمامه وعدم الانكسار, وانني لن أترك بيتي أبدا الا بإرادتي ولست مطرودة.. وانكسر داخلي بشدة.. وتصالحنا بعد فترة لكني أبدا لم أنس.. فسابقا فعلها أبي والآن زوجي.. وتيقنت أن لا ظهر ولا سند لي في هذه الحياة.. فأبي قصم ظهري في الماضي وها هو زوجي الآن......!!!!!
وتكرر الموقف بعد عام مع أخته بمشكلة كبيرة.. أطلق بعدها يمين طلاق أن أغادر منزلي.. وجاء أبواي ولن أصف لك المهزلة والسوقية التي تعامل بها معهما.. ولا تخاذل أبي وكرهي له حينها, وتركت منزلي أياما وذهبت مرة أخري للمعتقل كما كنت دوما أسمي بيت أهلي الذي ما أن أدخله حتي أستعيد كل عذابات الماضي وكأنها حاضر وتصبح نار زوجي أرحم من جنتهم..
وفكرت كثيرا في الطلاق وتداعياته وابني وحياتي القادمة.. وانتهي الموقف برجوعي لبيتي ولمست من زوجي ندما ولكنني حدثته بأنني لن أقبل أبدا أن يحدث هذا ثانية, وانني كنت دوما حريصة علي بيتي أكثر منه ولن أفكر في الانجاب ثانية حتي أطمئن وإنني في المرة القادمة سأنفصل عنه وأبدأ حياة جديدة, فأنا والحمد لله جميلة متعلمة ويتمناني كثيرون حسبما كان يقول لي دوما.. ووعدني بعدم تكرار ما حدث أبدا..
ولكني تغيرت تماما.. فقدت أي ارتباط به وفقدت أشياء أخري أصبح وجودها بيننا مستحيلا وأصبح شبح الانفصال واردا في ذهني مع كل خلاف وأصبح عندي نفور من علاقتي به وأتجنبها قدر المستطاع.. ثم بدأت العمل كمعلمة واستقللت ماديا وحرصت علي عدم تكليفه أي عبء مادي..
وسط كل هذا كنت دائما أتذكر ذكرياتي مع أهلي وأعيشها كأنها حاضر وأبكي كثيرا وأشعر بالضياع وأصبر نفسي بأنني لدي بيت وابن وزوج جيد ما لم تكن هناك مشاكل وهو شيء يتمناه الكثير وإن كان مختلفا عما تمنيته لنفسي طوال حياتي...
وأدركت أنني ممن قدر عليهم التعاسة..
وبسبب تعرضي للختان وأنا صغيرة أصبح عندي ألم ومشاكل خاصة في علاقتي مع زوجي تجعلني أميل لتجنبه وعدم الاستسلام المطلق له كما كنت أحتمل وأستسلم له في الماضي بسبب حبي له رغم آلامي... وهذا أدي لنفور كبير بيننا أحيانا... فشعرت أن أهلي قد آذوني وضروني في كل مراحل حياتي وبشتي الطرق سواء بقصد أو بدون قصد.. خاصة حين أصبحت أما وعرفت معني الرحمة بصغيري والحنان والعطف عليه وعدم احتمال رؤيته يتألم سواء نفسيا أو جسديا, فتأكدت من عظيم قسوتهم وكرهتهم أكثر..
وفي إحدي جلسات الصراحة الشديدة بعد ست سنوات زواج ضغط زوجي علي بحنان شديد لأحكي له سبب تقلباتي واكتئابي أحيانا فوجدتني أحكي له كل شيء وكم كان حنونا ولامني لأني لم أحكي له طوال هذه السنوات ووعدني بالحنان المطلق وعذرني لاكتئابي أحيانا لأني احتملت فوق طاقتي.. وخفت من العطف المؤقت ولكني ندمت بعد فترة حين وجدته نسي وعده باحتوائي ووجدته مازال يجافيني بسهولة أو يلمح في الخلافات إلي أنه يعاملني أحسن من أي شخص آخر....!!!
الآن أنا حامل في ابنتي وأشعر بسعادة غامرة لكونها بنتا وأتمني أن أعوض بها وفيها كل ما فاتني وإن كنت أخاف عليها بشدة من الحياة, وكثيرا ما أتمني أن أموت قبل أن ألدها لأحميها وأنجو بنفسي من تعاستي..
سيدي.. أدعو الله لي أن يهديني لزوجي ويهديه لي.. فهو في أغلب الأحيان يكون حنونا ومتفاهما وكريما ويحبني.. ولكن التعاسة والشقاء والذكريات المؤلمة تملؤني.. فكم أنا بحاجة للدعاء ولحنان ربي ليمسح عن قلبي عذاباته لأتمكن من الحياة وتربية أبنائي نور عيني والشيء الوحيد الجميل في حياتي.. يارب..
* سيدتي.. كلماتك تقطر مرارة الحنظل الذي بذره والداك في نفسك منذ سني عمرك الأولي.. فبعض الآباء والأمهات لا يعرفون ولا يقدرون الجرم الذي يرتكبونه بخلافاتهم وبعنفهم تجاه الأبناء, فلم يكن هناك قانون يحمي الصغار من بطش الآباء فيخرجون إلي الحياة مشوهين نفسيا, لا يعرفون طريقا للسعادة أو الاستقرار, ولولا أنك متماسكة لانعكس ما عانيته علي أبنائك, لتستمر تلك الدائرة الجهنمية التي تنتج أبناء ممزقين, حانقين, مفضلين الموت علي الحياة.
وإن كان قانون الطفل الآن قد يحمي الأبناء من بطش الآباء اذا استبدوا وتجردوا من آدميتهم, فإنه مازال في حاجة إلي مزيد من النشر والإعلام والتوعية بمواده وطرق الاتصال للشكوي أو الاستغاثة.
كثير من الآباء ـ عن جهل ـ يعتقدون أن الأطفال لا يتأثرون بخلافاتهم الخاصة, فلا يعبأون بصراخهم أو بآلامهم ويواصلون عراكهم علي مرأي ومسمع من الصغار, وما أقسي هذا الحال في ظل غياب الحنان والاحتواء من الأبوين. فما تحكينه صعب علي الفهم والاستيعاب, لأن الحيوانات ترفق بصغارها, فهل يتدني الآباء ويضنون بحنانهم, بل ويبالغون في قسوتهم علي صغار لم يرتكبوا إثما سوي أنهم من بني البشر.
سيدتي.. أعرف أنه من الصعب التخلص من هذا التراث الذي حملته معك إلي بيتك الجديد, خرجت من معتقل إلي معتقل, فزوجك هو الآخر ابن بيئته التي دللته وغرست في نفسه إحساس التميز علي المرأة, وأن عليها فقط أن تسعده وتفعل كل شيء من أجل إرضائه, مع أن الشرائع السماوية ووصايا الأنبياء والرسل لم تقل بهذا.
فها هو زوجك يستجمع رجولته ـ وما فعله ليس له أدني علاقة بمعني ومفهوم الرجولة ـ ليطردك ليلا أنت وطفلك, وكأنه بذلك قوي وقادر وصاحب قرار, بينما الحقيقة من يفعل ذلك هو في قمة الضعف والانهزام.. فكيف لرجل يستقوي بعضلاته أو بسلطته ليطرد زوجته وطفلهما في الليل؟!
إنه المفهوم الخاطيء والتمييز الظالم الذي يغرسه الآباء في نفوس الأبناء منذ الصغر.
مرة أخري ـ سيدتي ـ زوجك ابن بيئة جاهلة وظالمة, ولكني أتلمس ضوءا في نهاية النفق, هذا الضوء يتمثل في حنان زوجك المتقطع واحتوائه وحبه لك, زوج فيه بعض المزايا التي يمكن أن تبني عليها.. فلا تزيدي من إحساسك بالنفور أو الابتعاد عنه, قللي من عنادك, وكوني له أما وصديقة, احتويه ولا تقفي أمام عيوبه.. امدحي مزاياه, واغرسي بداخله ثمرة الثقة وبأنه يكون أفضل وأرقي عندما يكون أحن وأصفي.
نعم أنت في حاجة لمن يفعل معك نفس الشيء, ولكنك عانيت ما يكفي, ولا تريدين لطفليك أن يعيشا في أجواء مشابهة, لذا واصلي عطاءك علي أمل أن يهتدي زوجك ويراعي الله فيك, وادعي له دائما بالهداية, فالله قادر علي كل شيء.. وحاولي أن تحتسبي ما فعله والداك معك عند الذي لا تضيع عنده الحقوق, وادعي لهما أيضا بالهداية, فالقادر علي الانتقام قادر علي الهداية, والخيار الثاني أفضل, وثقي أن حقك بين يدي العادل الرحيم لن يضيع أبدا. حفظك الله وحماك ويسر لك الخير وهدي لك من تحبين وجعلهم قرة أعينك, وإلي لقاء بإذن الله.
السبت مارس 31, 2012 8:48 am من طرف Admin
» اصــــــــــعب دمــــــــعة ....
الخميس مارس 01, 2012 12:12 pm من طرف nemo
» سأل ولد رجل حكيم :
الخميس مارس 01, 2012 12:11 pm من طرف nemo
» سهل جدا تحب بس صعب تنسي
الخميس مارس 01, 2012 11:21 am من طرف LORD
» كـ ــ م هــو جميل
الخميس مارس 01, 2012 11:15 am من طرف LORD
» تـــعـــلــــمــــت
الخميس مارس 01, 2012 11:12 am من طرف LORD
» ... ♥♥♥ ♥...
الأحد فبراير 26, 2012 5:00 pm من طرف الدلوعة
» لو لقيت بنت جميلة ...
الأحد فبراير 26, 2012 4:53 pm من طرف الدلوعة
» هو قلمي
الأحد فبراير 26, 2012 4:49 pm من طرف الدلوعة